فصل: تفسير الآيات (18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (18- 19):

{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}
وقوله تعالى: {ذلكم} يعني الذين ذكرت من أمر القتل والرمي والبلاء الحسن من الظفر بهم والنصر عليهم فعلنا ذلك الذي فعلنا {وأن الله} يعني واعملوا أن الله مع ذلك {موهن} أي مضعف {كيد الكافرين} يعني مكرهم وكيدهم قوله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} هذا خطاب مع المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر، لما التقى الجمعان: اللهم أينا كان أفخر يعني نفسه ومحمداً صلى الله عليه وسلم قاطعاً للرحم فأحنه اليوم. وقيل: إنه قال: اللهم أينا كان خيراً عندك فانصره. وقيل: قال: اللهم انصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان أفخر وأقطع لرحمه فأحنه اليوم فأنزل الله عز وجل إن تستفتحوا ومعنى الآية إن تستحكموا الله على أقطع الفريقين للحرم وأظلم الفئتين فينصر المظلوم على الظالم والمحق على المبطل والمقطوع على القاطع.
(ق) عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف في الصف يوم بدر. فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال أي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي. قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجب لذلك قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: هل مسحتما سيفكما؟ فقالا: لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لهما والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.
(ق) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل» فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل وفي كتاب البخاري أنت أبو جهل هكذا قاله أنس فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وفي رواية فقال أبو جهل فلو غير أكار قتلني عن عبد الله بن مسعود قال: مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال: ولا أهابه عند ذلك فقال أعمد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئاً حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد أخرجه أبو داود وأخرجه البخاري مختصراً.
قال: إنه أتى أبا جهل يوم بدر وبه رمق فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه. وقال عكرمة: قال المشركون والله ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله عزوجل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقال السدي والكلبي: كان المشركون لما خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين واكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح. يعني: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وهو على ما سألوه فكان النصر لأهدى الفئتين وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى فقال: اللهم لا يعجزك، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه قال: وضربني ابنة عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلده وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثم تمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عفير معاذ بن عفراء فضربه حتى أتبته وتركه وبه رمق فمر به عبد الله بن مسعود قال عبد الله وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه فقلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قلت لله ولرسوله. روي عن ابن مسعود أنه قال: قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً ثم احتززت رأسه ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل قال: آلله الذي لا إله غيره فقلت نعم والذي لا إله غيره ثم ألقيته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله. وقال أبي بن كعب: هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل للمسلمين إن تستفتحوا أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح أي النصر.
(خ) عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
قلت: استدل البغوي بهذا الحديث على ما فسر به أبي بن كعب الآية وفيه نظر، لأن هذه الواقعة المذكورة في الحديث كانت بمكة والآية مدنية، فلا تعلق للحديث بتفسير الآية والله أعلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الله ببدر وسأله إنجاز ما وعده من إحدى الطائفتين وألح في الدعاء والمسألة حتى سقط رداؤه وقال الله سبحانه وتعالى مجيباً له إن تستفتحوا يعني تطلبوا النصر وإنجاز ما وعدكم الله به فقد جاءكم الفتح يعني فقد حصل لكم ما طلبتم فاشركوا الله على ما أنعم به عليكم من إجابة دعائكم وإنجاز ما وعدكم به وهذا القول أولى لأن قوله فقد جاءكم الفتح لا يليق إلا بالمؤمنين.
هذا إذا فسرنا الفتح بالنصر والظفر على الأعداء.
أما إذا فسرناه بالقضاء والحكم لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله سبحانه وتعالى: {وإن تنتهوا فهو خير لكم} فهو خطاب للكفار يعني وإن تنتهوا عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم وعن تكذيبه فهو خير لكم في الدين والدنيا أما في الدين بأن تؤمنوا به وتكفوا عنه فيجعل لكم بذلك الفوز بالثواب والخلاص من العقاب.
وأما في الدنيا فهو الخلاص من القتل والأسر {وإن تعودوا نعد} يعني وإن تعودوا لقتال محمد صلى الله عليه وسلم نعد بتسليطه عليكم ونصره عليكم {ولن تغني عنكم فئتكم} يعني جماعتكم {شيئاً} يعني لا تغني عنكم شيئاً {ولو كثرت} يعني جماعتكم {وأن الله مع المؤمنين} يعني بالنصر لهم عليكم يا معشر الكفار.

.تفسير الآيات (20- 24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله} يعني في أمر الجهاد لأن فيه بذل المال والنفس {ولا تولوا عنه} يعني عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن التولي لا يصح إلا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حق الله تعالى والمعنى لا تعرضوا عنه وعن معونته ونصرته في الجهاد {وأنتم تسمعون} يعني القرآن يتلى عليكم {ولا تكونوا كالذين قالوا} بألسنتهم {سمعنا وهم لا يسمعون} يعني وهم لا يتعظون ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن والمواعظ وهذه صفة المنافقين {إن شر الدواب عند الله} يعني إن شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عند الله {الصم} عن سماع الحق {البكم} عن النطق به فلا يقولونه {الذين لا يعقلون} يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه ولا يقبلونه وإنما سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم. قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقتلوا جميعاً يوم أحد وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} يعني سماع تفهم وانتفاع وقبول للحق ومعنى ولو علم الله. قال الإمام فخر الدين: إن كان ما كان حاصلاً فيجب أن يعلمه الله فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده وتقديره الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم {ولو أسمعهم} يعني بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بما يسمعون من المواعظ والدلائل لقوله تعالى: {لتولوا وهم معرضون} يعني لتولوا عن سماع الحق وهم معرضون عنه لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أحي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن لك فقال الله سبحانه وتعالى: ولو أحيا لهم قصياً وسمعوا كلامه لتولوا عنه وهم معرضون.
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول} يعني أجيبوهما بالطاعة والانقياد لأمرهما {إذا دعاكم} يعني الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما وجد الضمير في قوله تعالى إذا دعاكم لأن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم استجابة لله تعالى وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد واستدل أكثر الفقهاء بهذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب لأن كل من أمره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل فقد دعاه إليه وهذه الآية تدل على أنه لابد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه.
(خ) عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال صلى الله عليه وسلم: «ألم يقل الله {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم}» ثم ذكر الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبيّ فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبي وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال: يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم أفلم تجد فيما أوحى الله إلي: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قال بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى» وذكر الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قيل هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته.
وقوله تعالى: {لما يحييكم} يعني إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم. قال السدي: هو الإيمان، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان. وقال قتادة: هو القرآن، لأنه حياة القلوب وفيه النجاة والعصمة في الدارين. وقال مجاهد: هو الحق وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل. وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله. وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد. وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وقد دلت البراهين العقلية على هذا القول لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي وتلك الاعتقادات والدواعي لابد أن تتقدمها الإرادة وتلك الإرادة لابد لها من فاعل مختار وهو الله سبحانه وتعالى فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله تعالى.
(م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك»، عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله قد أمنّ بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء» أخرجه الترمذي وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فيجب على المرء المسلم أن يمره على ما جاء مع الاعتقاد الحازم بتنزيه الله تعالى عن الجارحة والجسم. وقيل في معنى الآية: إن الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه حتى لا يدري ما يصنع ولا يعقل شيئاً. وقيل: إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمناً والجبن جراءة.
وقوله تعالى: {وأنه إليه تحشرون} يعني في الآخرة فيجزي كل عامل بعمله فيثيب المحسن ويعاقب العاصي.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}
قوله سبحانه وتعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} لما أخبر الله عز وجل أنه يحول بين المرء وقلبه حذر من وقوع المرء في الفتن والمعنى واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالم خاصة بل تتعدى إليكم جميعاً وتصل إلى الصالح والطالح وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار وقيل: تقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم جميعاً الظالم وغير الظالم.
قال الحسن: نزلت هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير. قال الزبير: لقد قرأنا هذه الآية زماناً وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها يعني ما كان منهم في يوم الجمل. وقال السدي ومجاهد والضحاك وقتادة: هذا في قوم مخصوصين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل. وقال ابن عباس: أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب فيصيب الظالم وغير الظالم روى البغوي بسنده عن عدي بن عدي الكندي قال حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة» والذي ذكره ابن الأثير في جامع الأصول عن عدي بن عميرة الكندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا علمت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» أخرجه أبو داود عن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا» أخرجه أبو داود. وقال ابن زيد: أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضاً.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذبه» فإن قلت ظاهر قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} يشمل الظالم وغير الظالم كما تقدم تفسير فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصل الفتنة إلى من يذنب.
قلت: إنه تعالى مالك الملك وخالق الخلق وهم عبيده وفي ملكه يتصرف فيهم كيف شاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فيحسن ذلك منه على سبيل المالكية أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع المصلحة والله أعلم بمراده.
وقوله سبحانه وتعالى: {واعلموا أن الله شديد العقاب} فيه تحذير ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره الله منها.